الناتو وأوكرانيا والسويد وفنلندا- أزمة ثقة أم تحالف استراتيجي؟

من بين الأسباب الجوهرية التي دفعت روسيا إلى غزو أوكرانيا، يبرز بشكل خاص سعي أوكرانيا الحثيث للانضمام إلى كل من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. لم يكن هذا المسعى مجرد رغبة أوكرانية فحسب، بل كان مدعومًا أيضًا من قبل الناتو، الذي كان يهدف إلى التحول من مجرد الدفاع عن أوكرانيا إلى إقامة طوق تطويق استراتيجي حول روسيا.
هكذا رأت روسيا الأمور على الأقل. وفي واقع الأمر، لا يمكن اعتبار وجهة نظر روسيا بعيدة عن الصحة، حيث لم تخف الولايات المتحدة الأمريكية هذا التوجه، ولم يكن هذا الأمر سرًا في خطابات الناتو المتعلقة بالتوسع. من جهة أخرى، أكدت روسيا مرارًا وتكرارًا أن وجود قاعدة للناتو في الأراضي الأوكرانية سيمثل تهديدًا مباشرًا وعدوانًا سافرًا عليها.
كان هذا السيناريو متوقعًا إلى حد كبير، وكان من المفترض أن يتخذ الناتو خطوات استباقية للاستعداد لمثل هذا الهجوم المتوقع من جانب روسيا. ومع ذلك، بالنسبة للمراقبين من الخارج، فإن ما لم يكن متوقعًا هو ترك أوكرانيا – بشكل أو بآخر – وحيدة في مواجهة العدوان الروسي الذي كان متوقعًا كنتيجة لهذه التحركات التي قام بها الناتو.
أين كان الدرع الدفاعي للناتو في مواجهة هذا العدوان الروسي؟ كان هذا هو السؤال الأهم الذي طرحته الأحداث، وهو سؤال كشف بما يكفي أن أسطورة الناتو ربما قد وصلت إلى نهايتها المحتومة.
على الرغم من ذلك، وبينما كانت روسيا تواصل احتلالها لأوكرانيا، شهدنا أيضًا كيف أعلنت السويد وفنلندا – على وجه الخصوص – أنهما لن توافقا على عضوية الناتو، ثم تقدمتا بطلب للحصول على هذه العضوية على الرغم من ذلك.
ربما اعتقدت هاتان الدولتان أن الناتو يمثل الحل لقضية أوكرانيا، وأنهما ربما أرادتا نفس الحل لمشاكلهما؟ ولكن ما الذي يمكن أن تتوقعانه من حلف الناتو الذي لم يتمكن من حماية أوكرانيا؟ بل يمكن القول إنه لم يكن له دور يذكر سوى أنه كان بمثابة الحافز الذي أدى إلى غزو أوكرانيا.
لطالما تحدثت تركيا عن الجوانب السلبية في الناتو التي تسببت في أضرار لأعضائه بدلًا من تقديم الخدمة التي ينتظرونها منه. فعلى الرغم من أن أحد أهم بنود اتفاقية الناتو ينص على أن "أي تهديد أو هجوم ضد أحد الأعضاء يُعتبر هجومًا على جميع الأعضاء"، فإن أعضاء الناتو – بدلًا من التضامن مع تركيا – كانوا الداعمين للتهديدات الانفصالية الموجهة ضدها.
لم تتوقع السويد وفنلندا أبدًا أن تبدي تركيا مثل هذا الاعتراض أو أنها قد تستخدم حق النقض ضدهما، أو ربما اعتقدتا أن تركيا دولة تابعة للولايات المتحدة وليست صاحبة قرار داخل حلف الناتو. لكن تركيا عازمة على استخدام هذا الحق والسلطة على أكمل وجه.
في حين كان من المتوقع أن تمنع الولايات المتحدة الأمريكية (الدولة الأقوى في الناتو) أنشطة منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية ضد تركيا – العضو الآخر في الناتو – نجدها تدعم هذه المنظمة وتزيد من التهديد؛ حيث تقدم الولايات المتحدة الأمريكية الدعم الكامل لحزب العمال الكردستاني الذي ينشط في سوريا تحت اسم حزب الاتحاد الديمقراطي، وتزوده بجميع أنواع الأسلحة المتطورة.
والأدهى من ذلك، أن هذه المنظمة مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، والولايات المتحدة تدرك تمامًا ما يعنيه دعمها لهذه المنظمة بالنسبة لحليفتها في الناتو، تركيا. ومن المعروف أيضًا أن الولايات المتحدة تأوي زعيم منظمة "غولن" الإرهابية – التي حاولت تنفيذ انقلاب عسكري في تركيا قبل ست سنوات – وكافة قياداتها، وتوفر لهم الحماية الكاملة.
هذا الدعم المستمر يثير تساؤلات حول ما إذا كان للولايات المتحدة الأمريكية – بصفتها عضوًا في الناتو – دور في هذا الانقلاب العسكري الفاشل. وهكذا، بالنظر إلى التجربة الأوكرانية، نرى أن حلف الناتو قد تحول إلى أسطورة لا تقدم أي مساهمة إيجابية لأعضائه، بل قد يكون ضررها أكبر من نفعها.
عندما صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان – بوصفه رئيسًا لإحدى أهم الدول الأعضاء في الناتو – بأنه لن يوافق على عضوية السويد وفنلندا، لم يكن ذلك مجرد اعتراض بسيط على دعم هذين البلدين لحزب العمال الكردستاني فحسب، بل كان لفتًا للانتباه إلى حقيقة أن الناتو قد فقد جوهره ووظيفته الأساسية، وربما فتح بذلك الباب لمناقشات أكثر عمقًا وجدية.
تعتبر السويد وفنلندا من أبرز الدول التي تدعم حزب الاتحاد الديمقراطي المتورط في أنشطة عدائية ضد تركيا، العضو الحيوي في الناتو الذي يسعون الآن للانضمام إليه. وبينما يقدمون دعمًا واسعًا لوجود حزب العمال الكردستاني في أوروبا، يعتبرون حزب الاتحاد الديمقراطي حركة تحرر في سوريا، ويقدمون له كل أشكال الدعم المسلح، والذي يُستخدم بالطبع في تنفيذ هجمات ضد تركيا.
قدمت السويد طائرات مسيرة لحزب الاتحاد الديمقراطي – بزعم أنها ستستخدم ضد تنظيم الدولة الإسلامية – ولكنها تستخدم بالاشتراك مع حزب العمال الكردستاني. ولهذا السبب، قررت الحكومة السويدية دعم حزب الاتحاد الديمقراطي بمبلغ 376 مليون دولار في العام المقبل، ولا يمكن لأحد أن ينكر أن هذا الدعم يغذي التهديدات الموجهة ضد تركيا.
إنه سؤال يثير الدهشة والاستغراب: كيف تقدمت هاتان الدولتان بثقة – على الرغم من كل هذه الحقائق – بطلب للحصول على عضوية في حلف شمال الأطلسي، وهما تعلمان أن تركيا تتمتع بحق النقض (الفيتو)؟
بصراحة، ربما لم تتوقعا أبدًا أن تبدي تركيا مثل هذا الاعتراض القوي أو أنها قد تستخدم حق النقض ضدهما، أو ربما اعتقدتا أن تركيا دولة تابعة للولايات المتحدة وليست صاحبة قرار مستقل داخل حلف الناتو. لكن تركيا مصممة على استخدام هذا الحق والسلطة على أكمل وجه. وبينما تعرب تركيا عن انتقاداتها اللاذعة بأن الناتو قد فقد وظيفته الأساسية، فإنها تكشف أيضًا عن التناقضات الصارخة، والعيوب الجوهرية، وأوجه القصور التي يعاني منها هذا الحلف.
إن تركيا لا تفعل ذلك بقصد معارضة الناتو، بل على العكس، هي تشكل جزءًا أصيلًا من هذا الحلف وتطمح في أن يعود الناتو إلى مهامه الأساسية، وأن يلتزم بمبادئه الراسخة، وأن يتمسك باتفاقية التأسيس، وأن يصبح أقوى وأكثر فاعلية، وأن يمنح أعضائه الأمن الحقيقي، وأن يكون درعًا واقية وموثوقة ضد أي اعتداءات ظالمة، وأن يظهر التضامن الكامل مع جميع الأعضاء في مواجهة أي تهديدات.
لا تطالب تركيا بالكثير، وترى أنه من الممكن أن تنضم السويد وفنلندا إلى الناتو بطريقة تساهم في تصحيح مساره واستعادة هدفه التأسيسي، بدلًا من أن تصبحا عضوين يزيدان من تناقضاته ويعمقان من أزماته.